جداول تغطيها الثلوج في جبال الألب وقمم جبلية مدببة ومناظر طبيعية خلابة ، كل ذلك وغيره ينتظر الركاب على متن قطار برنينا إكسبريس التابع لسكك حديد رايتيان ، ويبدأ القطار رحلته من مدينة تشور عاصمة المقاطعة السويسرية جراوبوندن ثم يشق طريقه ملتويا صاعدا جبال الألب إلى ممر برنينا الذي يقع على ارتفاع أكثر من 2000 متر فوق سطح البحر.
وبينما يستغرق الركاب في مشاعر الإعجاب بقمة الجبل المعروفة باسم بيز برنينا التي ترتفع بنحو 4049 مترا فوق مستوى سطح البحر يبدأ القطار في الهبوط نحو المناخ المعتدل لوادي فاتيلينا الإيطالي بمنطقة الألب.
ويندفع برنينا إكسبريس وسط مناظر طبيعية رائعة متباينة ، كما أنه يعد أعجوبة هندسية بالنسبة لهواة السكك الحديدية ذوي الاتجاهات الفنية، وتبلغ نسبة الإنحدار لطريق القطار 7 بالمئة مما يجعله أحد أشد طرق السكك الحديدية ميلا في العالم دون أن يكون مزودا بحوامل للقضبان أو كابلات أو أية حيل هندسية أخرى.
وتستغرق الرحلة من سويسرا إلى إيطاليا باستخدام خط السكك الحديدية ذي العرض الضيق أربع ساعات فقط على الرغم من وعورة الطريق، وإلى جانب شدة انحدار الطريق يوجد 196 جسرا و 55 نفقا، وبعض هذه المنشآت يعد من التصميمات الهندسية الرائعة التي تخطف الأنظار وتدفع الركاب إلى متابعتها بالنظر من نوافذ عربات القطار في افتتان.
وبالقرب من فيليزور وهي قرية سويسرية في وادي إنجادين ينتهي نفق طوله 136 مترا فجأة في مواجهة كتلة صخرية ، غير أن القطار يندفع داخل نفق، ثم ينطلق القطار هابطا عند قرية بروسيو السويسرية إلى وادي عبر نفق حلزوني طويل الذي يمكنه من تحمل التغير في الارتفاع.
وكانت منظمة اليونيسكو قد أدرجت خط برنينا للسكك الحديدية في قائمة التراث الانساني العالمي منذ صيف عام 2008 ، وينصح الركاب بأن يحجزوا مقاعدهم على القطار مسبقا بسبب شعبيته وشهرته.
وقد تم البدء في إنشاء هذا الخط للسكك الحديدية عام 1902 واشترك في تشييده نحو 2500 عامل، كما تم عند بنائه مراعاة استخدام السياح له، وأنفق المهندسون الساعات الطوال في محاولات للتغلب على صعوبة تصميم طريق به القليل من الأنفاق على قدر الإمكان حتى لا تختفي بداخلها المناظر الطبيعية الجميلة بمنطقة جراوبوندن وإقليم لومباردي الإيطالي.
ولتحسين منظر الجسر الحجري تم وضع أعمدة رفيعة تحته وأقواس ضيقة ، وتم كهربة خط السكك الحديدية منذ البداية حتى لا يتضايق الركاب من الدخان المنبعث من المحرك البخاري للقطار ، ويصدر القطار حاليا أصواتا أشبه بالطنين وهو يسير بهدوء مارا بالقرى الواقعة على طريقه، بينما يطلق أصواتا أشبه بالصرخات عندما يمر فقط بالمنحنيات الحادة ويتأوه بهدوء عند بعض ممرات الصعود الحادة.
وكان هذا القطار الذي صار له فرع يتوجه إلى منتجع سان موريتس السويسري قد صمم أصلا من أجل الرحلات الصيفية ، وقد تغير ذلك الهدف أثناء الحرب العالمية الثانية، وفي عام 1944 تم مد خطوط السكك الحديدية عبر ممر برنينا حتى تتمكن القطارات من السير في الشتاء أيضا.
وتعد محطة السكك الحديدية الواقعة أعلى ممر برنينا على ارتفاع 2253 مترا فوق مستوى سطح البحر مكانا لتجمع الأمطار وحدودا للغات بالمنطقة ، وعندما يكون الطقس معتدلا تكون الأنهار الجليدية والقمم الواقعة أعلى خطوط الأشجار رائعة لدرجة أنها لا تبدو حقيقة، وتبدو السحب المرتفعة بنفس ارتفاع الممر ذاته معلقة مثل الستائر البيضاء فوق بحيرات الجبل المغطاة بالجليد.
وليس الركاب هم وحدهم الذين يستمتعون بالمناظر الطبيعية الخلابة، فهناك أيضا العديد من محبي رياضة المشي وهواة تسلق الجبال، وبالنسبة للأشخاص الذين يريدون تسلق مواقع أعلى من الجبال سيجدون بعض المحطات لديها وصلات بعربات الكابل.
وبإمكان الركاب البقاء على متن القطار ومواصلة الرحلة إلى إيطاليا، ويسير القطار الهوينى مارا بالمروج وبساتين الكرم قبل أن يتحول إلى عربة تسير بالشوارع بقرى وادي بوشيافو ، وإلى جانب الكنائس تقف أبراج الأجراس الرفيعة وحدها وهي تختلف عن شكل الأبراج ذات الشكل البصلي الذي يميز الجانب السويسري ، ثم تظهر للعيان أشجار النخيل.
وتكون نهاية رحلة برنينا إكسبريس في تيرانو ، ويمكن في هذا المكان أن تشم رائحة البيتزا المنبعثة في الجو أمام المحطة.